الأحد، 3 ديسمبر 2017

صورة تغني عن ألف كلمة - تشارلز غلاس - ترجمة علي البدري

الصورة: دون ماكلين

الشاب الذي يرتدي بذلة رياضية سوداء، في الواحدة والعشرين من عمره. كان شعره الداكن مقصوصاً وغير مغسول. أصابعه متسخة، إلا أنها لم تحمل أية ندوب، كما خلا وجهه من أية علامة تشير إلى تعرضه للتعذيب. بدا وكأنه مصاباً بالدوار عندما حمل نفسه إلينا آتيا من زنزانته التي إحتجزته لأكثر من سنة في أحد الأفرع الإستخباراتية للإتحاد الوطني الكردستاني. جلس على الكرسي وحدق نحو الأرضية المزخرفة، كانت يداه المقيدتين بأصفاد الكروم البراقة تستريحان فوق حضنه. هكذا بدأت مقابلتنا مع (على قحطان عبدالوهاب) شاب عراقي، عربي، مسلم وسني المذهب. مقاتل ومنفذ عمليات إعدام سابق لتنظيم الدولة الإسلامية. علي أكبر أبناء والده العامل البسيط، له أخوين وخمسة أخوات. درس في إحدى مدارس قرية عين سران قرب مدينة الموصل.

في مارس ٢٠٠٣، إحتلت القوات الأمريكية العراق "كنت في الثامنة، أتذكر هذا الحدث وكأنه حلم". بعد خمس سنوات، قام أحد أصدقاء علي من الموصل بإقناعه بأهمية مقاومة الإحتلال، "إنضممت إلى تنظيم القاعدة". منذ تلك اللحظة بدأت عمليات تدريبه على إستخدام أسلحة فتاكة، مثل الـAK-47 ورشاش PKC. في سنة ٢٠١٠ أُختير لتنفيذ مهمة خاصة. "إختطفنا أحدهم، كان رجل شرطة من مدينة الحويجة". إقتادوا الشرطي من الحويجة، المدينة السنية القريبة من كركوك إلى معسكرهم الواقع بالقرب من قرية تل عيد. هناك، قام أمير خليته (مازن محمود عبدالقادر) بإطلاق رصاصة برأس الشرطي وذلك بهدف "التدريب".  في السنة التالية، تلقى علي أوامر لإختطاف ثلاثة من أفراد شرطة مدينة الحويجة، "قمت بقتل أحدهم، وتولى الأمير مصير الآخرين وذلك بإطلاق الرصاص في رأسيهما. عقلية الجهادي كانت دافعاً لي، وهذا لم يزعجني أبدا".

في أواخر عام ٢٠١١ بدأت القوات الأمريكية بالانسحاب من الأراضي العراقية، يقول علي: "حرصنا على تجنب لفت الأنظار". عاد علي إلى الدراسة، وعمل بدوام جزئي في مجال البناء. قامت قوات تنظيم القاعدة بالإنضمام إلى داعش. عند بلوغه عامه الثامنة عشر، كانت داعش وجهته، لكنه لم يخبر عائلته بذلك "في عام ٢٠١٤، بايعت قائد الدولة الإسلامية، أبوبكر البغدادي". كانت قوات تنظيم الدولة الإسلامية قد إستولت على أغلب مناطق الحدود العراقية-السورية، وكانت سطوة البغدادي قد بلغت ذروتها، مهدداً بتسويع رقعة دولة الخلافة حول العالم. تم إرسال علي إلى مدينة بيجي، المدينة التي إستولت داعش عن حقول نفطها لتمويل عملياتها. هناك، قاتل علي قوات الحشد الشعبي الشيعية. لكنه أُعيد إلى الحويجة قبل أن تقوم قوات الجيش العراقي بمساندة الحشد الشعبي ودحر داعش من بيجي أواخر عام ٢٠١٥. يقول علي "في مدينة الحويجة، وبرفقة مجموعة تكونت من ثمانية أشخاص، عُرضت لنا مقاطع فيديو تظهر فيها عمليات قطع الرؤوس بواسطة السكين. دربونا على فعل ذلك". عمل علي في إستخبارات داعش "كنت أجمع المعلومات عن الأشخاص الذين يدخنون السجائر، أوأولئك الذين لم يقوموا بقص شعورهم، أو من إرتدوا ثياباً غير مناسبة. قمت بالتبليغ عنهم، كنت أعرف بعضهم، ثلاثة او أربعة منهم كانوا من الجيران. أخذوهم، ولم أرى أحداً منهم بعد ذلك."

عند عمله في واحدة من نقاط التفتيش: "أتذكر إلقائنا القبض على عشرة عناصر من البيشمركة، أرسلناهم إلى سجن الحويجة وأبلغ والي الحويجة (أبو عمر) الملا الكردي (ملا شوان) بقطع رؤوسهم". أخذهم الملا شوان إلى معتقل خُضض للأكراد. "هناك، طلب الملا شوان بقطع رؤوس خمسة منهم، وهذا ما فعلته، قمت بنحرهم." طريقة النحر الداعشية كانت عبارة عن دفع وجه الضحية إلى الاسفل، وسحب الرأس إلى الخلف، من ثم قطع العنق وفصل الرأس عن الجسم. سألته إن كانوا قد توسلوا إليهم طالبين الرحمة قبل قتلهم "لم ينطقوا بحرف واحد" ومن ثم سألته عن رأيه بقطع رأس إنسان غير قادر على الدفاع عن نفسه، أجاب كما لو أنه كان نازياً يقف أمام هيئة عدل بعد الحرب العالمية الثانية "كنت أنفذ الأوامر، أوامر إعتدت على تنفيذها".
"هل تراودك الكوابيس؟"
"لا."

بعد عمليات قطع الرؤوس، عاد للإبلاغ عن جيرانه والعمل في نقاط التفتيش قبل أن تصله الأوامر بتنفيذ مهمة أخرى. "وصلتني أوامر الأمير (أحمد صالح) وهو أمير إحدى مقاطعات الحويجة بالانتقال مع عائلتي إلى كركوك". كركوك التي كانت تحت السيطرة الكردية، مدينة يتكون نسيجها الإجتماعي من الأكراد والعرب والتركمان. لم تعلم عائلته سبب هذا الإنتقال والذهاب في رحلة خطرة قد تؤدى إلى موتهم. قام علي بحلق لحيته ليوهم الأكراد أنه أحد العرب السنة الفارين بطش الدولة الاسلامية. عند وصوله إلى كركوك، تلقى إتصالا من الأمير أحمد صالح يطلب منه التواصل مع ثمانية من افراد داعش المندسين. "خططنا لتفخيخ إحدى المركبات وتفجيرها في كركوك". قامت الهيئات المختصة بأمر اللاجئين في كركوك بتأمين المأوى لعلي وعائلته. بعد مرور شهر، وصل عدد من المخبرين الأكراد إلى المخيم، "أتوا خصيصاً من أجلى". أقتادوه للإستجواب، وأعطاهم أسماء رفاقه الثمانية المندسين.

في هذه الحرب القذرة، نادراً ما تكون عمليات التحقيق إنسانية. المخابرات الكردية تجلس امام شاب قطع رؤوس خمسة من أبناء جلدتهم العزل، لن يظهروا أي تعاطف. سألته "هل تم تعذيبك؟" وللمرة الأولى خلال هذا اللقاء نظر نحوي "نعم".
 سألت كيف تم تعذيبه، لكن المسؤول الكردي قاطعني وأمره بالصمت وأمرني بعدم السؤال "هذه المعلومات تتعلق بالأمن".

غيرت الموضوع، "هل أنت نادم؟" سألته، ودون أن يظهر أي شكل من أشكال المشاعر "أشعر بالندم. قضيت وقتاً طويلاً بالتفكير. لا أظن أنهم يسلكون الطريق الصحيح. ما يقومون به أمر خاطئ".

هناك تعليق واحد: